كون أن الإنسان خلق بطبعه اجتماعيا مع بني جنسه اقتضت الضرورة أن يكون عاقلا مميزا عن باقي الكائنات ومسؤولا أولا و أخيرا في هذه البسيطة، مسؤول عن وعلى رسالة الحياة للإستمرار والبقاء، رسالة أدركها منذ أول جريمة قتل على الأرض، إدراك لمعنى الحياة التي هي صراع بين الخير و الشر والصالح والطالح، إدراك تطور مع عصور وجوده الإجتماعي لفهم أن مفاتيح رسالة الحياة تشترط أساسا قيما هي طوق الأمان تجعله في غنى عن هذا الصراع الأزلي، تطور فهم أجابت عنه التعاليم اللاهوتية والقوانين الوضعية (الفلسفة، الإيديولوجيات، الفكر…)
نتيجة لهذا الفهم و الإدراك حاول الإنسان تأطير هذا الطوق وسماه بالقيم النبيلة وجعله كأهداف للحياة الصالحة؛ ولأن الخير و الشر هما مضادان في تركيبة الوجود يستحيل إزالة أحدهما في معادلة الصراع الوجودي، ولأن الصراع أزلي وكما تطور الفكر الصالح حيث انبثقت عنه القيم فكذلك تطور الفكر الطالح وانبثق عنه فكر تهديمي تكسيري ملازم و موازي لهذه القيم، تطور سمح في تفاعلات زبانيته العمل بكل الأساليب الدنيئة المذمومة.
وتفاعلات الصالح بصدقه الذي يكسبه الثقة والاعتماد عليه واتخاذه مثلا يحتدى به هو بناء للأفضل والرقي، أما تفاعلات الطالح فأساسها، الكذب، الخيانة، الإفتراء، التجسس،… الوشاية، وهو بذلك طالح هدام مكسر لبناء الصالح.
ولهذا التطور في عصرنا أدوات الصراع بين الخير والشر بينهما بون شاسع على التأثير الإنساني، فالخير دائما معتمد على الفهم والإدارك والوعي في حين أن الشر يعتمد على الجهل والتبعية والإستفادة الآنية ومن أهم أسلحته الوشاية الكاذبة والمغرضة والأفاكة، المهم هو إثبات الأنا غير مبال للضرر الذي يحدثه عن قصد أو غير قصد للعقدة/الفرد أو محيطها أو شبكتها المجتمعية. فالوشاية حاليا هي إحدى أسلحة الدمار الشريرة، وهي تعبير تجتمع فيه كل صفات الرذيلة والمتجلية أساسا في الطعن في الظهر.
قال الشاعر طريح بن إسماعيل الثقفي:
تكنفني الواشون من كل جانب
ولو كان واش واحد لكفانيا
إذا ما جلسنا مجلسا نستلذه
تواشوا بنا حتى أمل مكانيا.