أخبار عاجلة

الدولة العميقة والدولة الموازية، بقلم : بومدين عبد الصادقي

مقال كتب قبل ازيد من اثنا عشر سنة…… المحرر

للاستاذ حسن اوريد فضل ادخال مفهوم الدولة الموازية للمغرب واستعماله في تحليل الوضع السياسي…اوريد ليس فقط مثقفا لامعا ومؤرخا وكاتبا من طراز رفيع بل ايضا، وهذا مهم جدا، رجل دولة – كان ناطقا باسم القصر الملكي ومؤرخ المملكة ووالي- ومعنى ذلك اطلاعه الدقيق على كثير اشياء في دواليب الدولة وعلى اعلى مستوى…لذلك اخذ، شخصيا، ما يكتبه بكثير من الاهتمام

عندما يتحدث اوريد عما جرى سنة 2009 ، او بالاحرى مجزرة الديموقراطية في تلك السنة وما تبعها من سخط شعبي ونخبوي واحتقان عام كان له دور في انتفاضات 20 فبراير، فانه يقدم شهادة على عصر..عصر الرصاص السياسي في المغرب!

مثقف ومفكر ومؤرخ ورجل سلطة وناطق باسم القصر الملكي…قلما يجتمع كل هذا في شخص واحد…انتبهوا اذن لما يكتب …فهو لا يخمن ولا يفترض ولا يلاحظ او يراقب…هو مطلع على دقائق الامور ومعطيات لا تتوفر لنا كمتتبعين..وباعتباره مثقفا ومؤرخا فهو يستنتج ويستشرف وينبه بناء على تحليل معطيات ووقائع دقيقة، وبناء على استحضار التاريخ الوطني والعالمي وتجارب الشعوب ومسار سياسات…لذلك يبدو لي ان تحذيره من مخاطر نشوء دولة موازية في المغرب يستحق الانتباه والأخذ مأخذ الجد.

المصطلح الرائج في المغرب اليوم هو الدولة العميقة، وهو متداول ايضا في مصر رغم اختلاف السياقات، والتي تعني قوى ومصالح وشبكات خارج المؤسسات المعلنة والمعروفة…شخصيا لا اعتقد ان وجود الدولة العميقة امر سلبي دائما، فقد يكون من الايجابي في ظرف ما تدخل هذه الدولة العميقة لاستمرار الدولة واستعمال آلياتها للهيمنة المؤقتة، انظروا الى ما يحدث في ليبيا مثلا لتدركوا اهمية وجود دولة عميقة ودورها الايجابي، لكن للدولة العميقة لها أيضا جانب سلبي اكيد، وربما اكبر من الايجابي، عندما تسعى الى الهيمنة على المجتمع السياسي والمدني والاقتصاد والاعلام وكل شيء، تصبح آنذاك عامل تمرد بل حتى ثورة وليس عامل استقرار واستمرارية، النقطة الفاصلة هنا بين السلب والايجاب في دور الدولة العميقة هو المصالح، والسياسة هي في نهاية المطاف صراع مصالح ، مصالح طبقية في العمق، وعندما تصطدم المصالح الكبرى مع مسار الدولة التاريخي الذي يفرضه منطق التاريخ ومنطق التطور ومنطق التوازنات الذي يفرضه ميزان القوى السياسي فقد تتحول الدولة العميقة إلى …الدولة الموازية

الأستاذ اوريد يستحضر التجربة الايطالية لكن ايضا، وبشكل يدعو الى الانتباه والتأمل العميق، تجربة جماعة كولن في تركيا، فالجماعة كانت حليفة حزب العدالة والتنمية التركي، لكن اصطدام المصالح جعلها في مواجهة مباشرة مع الدولة التركية…الخطير في الدولة الموازية، وقد تكون تطورا موضوعيا للدولة العميقة، هو اختراقها لمختلف مناحي الحياة العامة من أجهزة امنبة وقضاء ومؤسسات اقتصادية وجمعيات ونقابات وحتى أحزاب سياسية، المعبرة، في نهاية التحليل، عن مصالح طبقية…وخلاصة الاستاذ اوريد جديرة بالتامل العميق: لابد من اصطدام ، آجلا ام عاجلا، بين الدولة بمعناها وتجليها المعلوم وبين الدولة الموازية، والسبب تراكم مصالح والاستعمال المتواصل لأ جهزة الدولة لتحقيق هذه المصالح ، وعندما تصبح المصالح العليا للدولة في تناقض مع هذه المصالح الكبرى، يحدث الاصطدام وتنشا الدولة الموازية

هل يسير المغرب في اتجاه نشوء الدولة الموازية؟ وارد بقوة…المصالح الضخمة، مالية واقتصادية وسلطوية، التي تشكلت عبر عقود، وانفتاح قوس تاريخي لمراجعة حالة هذه المصالح وشروط استمرارها والإمكانية الواردة لمواجهتها الجدية ومساءلة اصحابها، مجرد امكانية اقول، تجعل خيار التحول الى دولة موازية، ضمن خيارات اخرى لطبقة ، او بالاحرى فئة او نخبة،وارد ضمن صراع طبقي وصراع مصالح، وفي خضم هذا الصراع يتم افراز ادوات واليات واشخاص لهم قابيلية التعبير عن هذه المصالح

ماذا بعني اليوم، في مغرب دستور ما بعد حراك 20 فيراير، دستور المغرب الجديد ، نظريا على الاقل ، استمرار الحديث بل وجود جهات نافذة؟ كان ذلك فعلا بشكل فضيع ( ما اسميه بسنوات الرصاص السياسي ) قبل سنة 2011 لكن المفروض ان دستور 2011 حدد طبيعة الدولة المغربية والجهات النافذة فيها: الملك ، الحكومة، القضاء… وحدد لكل جهة مجال نفوذها… لذلك يصعب علي فهم، او بالاحرى فهم الواقع الفعلي الذي يتحدث عنه،ما كتبه توفيق بوعشرين في افتتاحية جريد اخبار اليوم لعدد السبت 21 مارس من تدخل ادريس لشكر، الكاتب الأول لاتحاد ألاشتراكي ( واحسر تاه) لدى جهات نافذة حتى لا تتم تتم متابعته بسبب الفساد الكبير المعروف لدى الراي العام…هذه العلاقة الملتبسة بين قائد حزب معارض وبين جهات نافذة في الدولة يطرح إشكالا حقيقيا وجديا بل وخطيرا يلزم معالجته بكل الجدية اللازمة…انها اشارة الى امكانية كسب الدولة الموازية لتعابير حزبية سياسية لها مكانتها التاريخية في المشهد الوطني، وبالطبع الكل يعلم بدور حزب الأصالة والمعاصرة وطبيعة تعبيراته الطبقية والمصلحية ، والكل يعرف دور هذا الاخير في صياغة وبلورة قيادة الاتحاد الحالية وغيرها من القيادات..

لا ينبغي الانخداع بمقولة الموالاة للقصر والدفاع عن الملكية، هذه التعابير لم يعد لها معنى في مغرب اليوم، ما دام ان الملكية لم تعد موضع سؤال،والملكية لم تعد بحاجة الى دفاع ما دام انها اختيار وحيد في الواقع وليس هناك أي بديل فعلي ، القضية المطروحة حقا هي الموالاة لأصحاب مصالح مالية واقتصادية ضخمة ، ونفوذ فعلي، والجهات النافذة التي يتم الحديث عنها كثيرا غير منفصلة اطلاقا عن نفوذ اصحاب المصالح تلك.

المسار الذي يسير فيه المغرب ولو ببطء واحتشام منذ 2011 افقه ينافض دولة المصالح والنفوذ والجهات النافذة…الجهات النافذة تلك المرتبطة بالمصالح المالية والاقتصادية الضخمة، وليس من الضروري ان تكون هي صاحبة هذه المصالح بل قد تكون معبرة عنها ، قد تتحول الى دولة موازية لما راكمته من نفوذ في اوساط مختلفة ترتبط بها مصلحيا ، عن حقيقة او وهم، ولها قابلية للانتفاض عن عن الدولة ان لم تكن تساير وتحفظ وتحمي المصالح… الطبقية في نهاية المطاف

التحليل الماركسي لمفهوم الدولة يبقى صالحا، في حدود ما، لتحليل المفهوم الذي تحدث عنه الاستاذ اوريد…المصالح الطبقية هي المحددة، في نهاية التحليل، لطبيعة الصراع الصراع السياسي . والاشخاص، مهما كان أصلهم الطبقي، قد يصبحون أدوات للصراع، وان اقتضى الأمر التحول الى دولة موازية

الدولة الموازية في المغرب؟ هل ممكنة؟ وارد…فالمصالح الطبقية هي المحددة لطبيعة الصراع السياسي في نهاية المطاف

عن admin

شاهد أيضاً

بي بي سي البريطانية تنقل شهادات من قلب مخيمات تندوف تؤكد مغربية الصحراء ، فهل وصلت الرسالة ؟

بقلم : الصحافي حسن الخبازمدير جريدة الجريدة بوان كوم في روبوطاج كامل زار من خلاله …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *