الموسم الدراسي 1982 / 1983 مر مرورالسحاب . إلا أن أحداثه لن تمحى من الذاكرة . كنا نقضي حصصنا الدراسية النظرية بمدرسة المنارالمحادية لشاطئ البحر . و بعدها نقصد مدرسة البريجة التطبيقية بحي لالة زهرة . كانت المدرسة مجاورة لضريح < الولية الصالحة > لالة زهرة …
اما أوقات الفراغ فكنا نقضيها متسكعين بين أزقة وشوارع < مازاغان > … نختمها بأكلة شهية من السمك بمطعم < تشيكيطو > الشهير بالمدينة العتيقة … وفي المساء كنا نقصد إحدى المقاهي للترويح عن النفس أو نستمتع بمشاهدة اشرطة سينمائية بإحدى قاعات السينما ك : ديفور أو دو باري للترويح عن النفس …
مدينة الجديدة شتاء ليست كما هي صيفا ! حيث الشاطئ الممتلئ عن آخره والأمسيات الرائعة بمنتجعاتها السياحية كمقهى نجمة المحيط … يغادرها المصطافون القادمون من المدن الداخلية كمراكش … ويعمرها فقط الدكاليون قاطنوها الأصليون . تخالها مدينة غير المدينة . بأضوائها الخافتة وضبابها المطبق الذي يدثرها ويضفي عليها سحرا خاصا . بينما منارها أو < الفالورة > كما يسميها الجديديون . يرسل نورا يبدد ظلامها الكالح ! لشد ما إنبهرت بالمدينة الصغيرة والهادءة . أنا البيضاوي القادم من أكبر مدينة بالمملكة والمعروفة بكثافتها العالية ونمطها الصاخب والسريع …
بين أسوار مركز تكوين المعلمين ، كنا نقبل على دروسنا بهمة عالية … وأثناء فترة الإستراحة كنا ندخل في نقاشات لاتنتهي . غالبا ما نتطرق لوضعنا الدراسي والمهني ومصيرنا بعد الحصول على الديبلوم و التخرج وأماكن التعيين . كنا نتحدث كذلك همسا في القضايا العامة ؟ ولا غرابة في ذلك فنحن الآن نعيش زمن سنوات الرصاص ! …
عندما كنا نتكلم نحن البيضاويون . كنا نحظى باهتمام كبيرمن طرف زملائنا القادمين من القرى والمدن الصغيرة … لاسيما عندما كنا نسرد عليهم أحداث إضراب 20 يونيو1981 . منهم من كان يعاملنا معاملة الأبطال . بينما البعض ، كانوا يتحاشوننا وكأننا قادمون من كوكب آخر .كانوا يقولون عنا : < ولاد كازا > واعرين علينا !
عند عودتي ، مساء من المركز ، كنت أعرج على مكتبة بطريق بوشريط . لإقتناء الجرائد والمجلات والروايات وخاصة الصادرة منها باللغة الفرنسية . إلتهمت تلك السنة الكثيرمن الكتب … ؟ عوضت فراق الأسرة والأصدقاء بالمطالعة . ومن ضمن ما قرات : رواية الخبز الحافي لمحمد شكري وروايات محمد زفزاف . العجوز والبحر لإرنست همنغواي وكتب جان بول سارتر . والغريب لالبير كامو . ثلاثية نجيب محفوظ وقصص إحسان عبد القدوس ويوسف إدريس كذلك …
مطالعة الكتب والمجلات كانت تبدد لحظات الفراغ … وتؤنس وحدتي … أحيانا كانت تأخذني قدماي في جولة طويلة ، بين دروب الحي البرتغالي … انبهرت كثيرا مما خلفه البرتغاليون من مآثر رائعة … المسقاة والكنائس والاسوار والمدافع … أحيانا اجلس على الشاطئ الصخري قرب الميناء … أراقب طيور النورس البيضاء . تحوم حول رؤوس البحارة المغادرين ، على متن مراكبهم نحو المجهول .
ذات مرة راودتني فكرة غريبة : لماذا لا أخترق بحر الظلمات ؟ على ظهر مركب يحملني إلى جزيرة نائية … إلى عالم مجهول … كما فعل المغامرون القدماء … ربما اكتشف المدينة الفاضلة …أو جزيرة اطلنتيس الخرافية !؟
الدار البيضاء / المغرب