طرق على باب ..هل يعتقد المغاربة في شيء ما؟
أستلهم الشق الثاني من العنوان، من ملف لجريدة
“الأحداث المغربية”، عدد 5546، السبت – الاحد 21-22 مارس 2015، من توقيع ذ. عبد الواحد الدرعي، في إتجاه استئناف الحديث عن تشكيك المغاربة.
أفاد الملف، أن شكوك المغاربة (الالاف من رواد مواقع التواصل الاجتماعي..) طالت نتائج الاحصاء العام للسكان، معتبرين أن بالمغرب أزيد من 40 مليون نسمة، أسباب وفاة أحمد الزايدي وعبد الله باها، مجزرة “شارلي ايبدو”: مؤامرة الاستخبارات الفرنسية، فيروس “ايبولا” بهتان من صنع وزارة الدفاع الامريكية، تفجيرات نيويورك: ابن لادن ليس وراء العمليات الانتحارية ولماذا تقام صلاة الاستسقاء بالتزامن مع وشوك تهاطل الامطار؟
دعاني الى الذي انا بصدده، أنني كنت جالسا، بقاعة انتظار احدى المصحات بالدار البيضاء، على مقربة مني وقفت سيدة مغربية تحادث احد العاملين بالمصحة، تحدثت كثيرا، وبين الفينة والاخرى كانت تردد بلغة موليير ” je suis sceptique”. سيطر الأمر على ذهني وتفكرت فيما حولي وفي ذاتي، فألفيت أن تشكيك المغاربة فاق كل حد، فحيثما وليت وجهك فثمة الشك.
كيف يكون لنا توصيفا لهذا القدر القاسي؟ دون أن نحصر النقاش في مجال ضيق اقرب من المظهر ونتفادى الوقوع في فخ التسطيح.
من تبعات تفشي الامية (40% / احصائيات)، هيمنة الشلل الفكري، الذي دشن زمنا جديدا، تنتصر فيه البساطة الفكرية عبر تمرير الاغاليط والاكاذيب التي تلوث العقول بالخرافة وتكرس التفاهة.
تفكير ضحل، سمم علاقات القرابة والجوار، علاقات العمل والعلاقات بين الفئات الاجتماعية، وعليه فالدسيسة تقبع عند زاوية أول زقاق في غلاف قدر هائل من اللاستقرار، انعدام اليقين ومعاناة تشطر كما تمزق المجتمع باطراد وترفع من منسوب الاغتراب الاجتماعي وتنسي (بضم التاء) ان الانتماء للجماعة، يعني وجود حياة وأهداف مشتركة.
التشكيك استطاع ان يجعل من المغاربة أشخاصا مأزومين وبلغة نيكولا مكيافيلي “متقلبين..متوجسين”.
خلص، هوبز، الى ان السياسة مجال انساني أرضي وبالتالي هي الحقيقة الفعلية التي ترتبط بتدبير المعيش وهي أيضا ضرورة اجتماعية اساسية تحمي المجتمع من الفوضى والارتجال كاختلالات تهدد المجتمع برمته وتفضي الى أزمة سياسية مفتوحة، تبدأ لكي لا تنتهي.
الا أن، هوبز، بالنسبة للمغاربة، يظل كلبا فاطسا.. لان السياسة – بنظرهم- غير ضرورية وليست بحقيقة فعلية ويزعمون، أننا سنكون احسن حالا عندما لا ننتظم في الاحزاب والنقابات (نسبة منخرطي الاحزاب لا تتعدى 3 في المائة)، لا نحترم المؤسسات، لا نصوت ولا نلتفت الى المكتوب، صحافة او انتاج فكري كان..
ما الذي اوصلنا الى وضع كهذا؟ يبعث على الكرب ولا يعرض سوى حافة هاوية سحيقة لان الارض التي نقف عليها، صارت أقل تباثا، يهزها الاستخفاف والتشكيك كرفض لمجتمع لا يقدم بدائل امام الهشاشة الاقتصادية.
عندما، نلتفت الى الخلف، نجد ان مجال الدولة العصرية، تذبذب في بداية التسعينات حيث حافظت الدولة المغربية على النشاط السياسي في حدوده الدنيا واعادت تطوير كل الطاقة السياسية والاجتماعية في اطار اخر، هو المجتمع المدني، ما أدى الى خلط بين هذا الاخير والمجتمع السياسي وانتج الغموض بانعدام الرؤية وضياع البوصلة.
عملية النقل و التحويل هذه، تمت من خلال، إختراق الأحزاب بتمكين أوليغارشيا بيروقراطية من القرار الحزبي، حالت دون الإرتقاء في المناصب بطريقة ديمقراطية و خلقت أجواءا مشحونة و ممارسات عنيفة خارج الحس الأنساني و الوطني، الضامنان للإحترام، اللاعنف، إتخاد القرارات الحاضنة لمصالح الجميع و الإستيعاب لفئات إجتماعية مقصية.
دارت عجلة إنتاج النخبة في إطار الإستراتيجيات الفردية، لأن قمرة القيادة لم تتمالك نفسها أمام إغراء
السلطة و كشفت عن نوع من الفصام في سلوكها، لتتخلى عن قناعاتها بركوب سياسات تجب (بضم الجيم ) تا ريخ
الأحزاب النضالي..فذابت في مشروع المخزن، الذي طور تقليدا يسبق فيه الإغراء الضغط.
إضعاف الأحزاب وسع من دائرة المجهول و رضع المغاربة حليب اللاثقة من ثدي سياسة فاقدة للمصداقية و عاد المغرب يقدم الإنطباع الدائم بكونه
“بلد يتردد”.
ترددت الدولة و توانت في تأمين الحماية الإجتماعية و تخلت عن التعليم، الصحة و التشغيل، لأنها لم تحافظ على تطور ديمقراطي عادي و سلس، بل عمدت إلى بثره.
كان رمي الرضيع مع ماء الغسيل، قدرا محتوما، الشيء الذي جعل دينامية حركة 20 فبراير، ترفع شعار
” إسقاط الفساد و الإستبداد ” لأنه إستعصى على الذين يعانون ويلات البطالة، الفقر و الغلاء أن يجدوا
لأنفسهم موقعا في معادلة الدولة و الأحزاب و بالتالي فقدوا الشعور بالترابط بين قدرهم الشخصي و مشروع وطني يتقاسمه الجميع.
لقد تنبأ ” إدريس بن علي ” ، قبل وفاته، بأن اللعبة السياسية الحالية لن تدوم و لن تستمر.
تزيد الشكوك و يتناقص – بإطراد- مصدقو الوعود و لم يتبق للمستبعدين إلا المقاومة و لو بالتشكيك.
لعل معالجة مشكلات الأكثر معاناة، تكون بداية جيدة لإستعادة الثقة.
إن ما ينفع الناس يوجد في مكان آخر، طرقنا باب الدخول إليه إجتماعيا، ثقافيا و سياسيا.