بقلم : ابو ادم الشرقاوي مهداوي.
دخل العبدي الى مطعم في دكالة بمدينة الجديدة، وطلب خبزة وطعاما، اكل نصف الخبزة ونصف الطعام ، وترك النصف الأخر وخرج، وفي كل يوم كان يفعل ذلك فانتبه له صاحب المطعم، وهو شاب من أبناء دكالة فسأله بكل ادب، بعد السلام: اخي لماذا تأكل نصف الخبزة والطعام وتترك النصف الاخر في كل يوم، وهل يمكن ان اعرف من اين انت !
فقال الرجل : انا عبدي من مدينة اسفي، وجلت البلدان فلما لم اجد من يحفظ الخبز والملح والزاد ، فانا اكل نصف الخبز والطعام، ولا اجد من يستحق ان يأكل نصفه الثاني فأتركه.
قال له الرجل الدكالي : اذاً انت اليوم ضيف عندي…
وكان الدكالي يعيش في بيته مع امه وابنة عمه المتوفي التي يحبها وعلى وشك الزواج بها.
وفي الموعد طرق العبدي الباب ، ففتحت له ابنة عم الدكالي فلما رأها فتن بها وبعد تناول المأذبة..
قال العبدي للدكالي: اريد ان استحلفك بالخبز والملح والزاد، ان لا ترد طلبي من الفتاة التي فتحت الباب.
قال: إنها ابنة عمي ووالدها متوفي.
فقال: اريد الزواج منها..
فقال الدكالي: هي لك ؟؟؟.. مع انه كان يحبها.
سافر العبدي مع عروسه ليعيشا في اسفي.
وبعد فترة من الزمن…
ماتت ام الدكالي، وألم بالشاب مرض اعجزه عن العمل، ففقر، وباع مطعمه وبيته ، ليعيش بثمنهما وحين استعاد عافيته، بدأت نقوده تقل، ولم يبق عنده إلا اليسير… فقرر ان يسافر الى صديقه في اسفي…
وحين وصل اسفي، وكان صديقه العبدي واحدا من اهم فلاحي عبدة، ولديه ضيعة وسكن فخم بضواحي اسفي..
توجه الى ضيعة العبدي، ولما ولجها، طلب من الحارس مقابلة صديقه، وبعد فترة يسيرة، عاد الحارس يحمل محفظة نقود سلمها له..
فقال له الدكالي: انا اريد مقابلة صديقي صاحب الضيعة، ورمى بمحفظة النقود فانفرطت الاورق النقدية على الأرض وذهب وفي عينيه دمعة كبيرة..
وبعد ايام اكتشف الدكالي ان نقوده انتهت ولم يعد معه ثمن العودة للجديدة وبدأ يبحث عمن يشغله.
فألتقاه رجل كبير وسأله عن حاله فقال اني لا اجد قوت يومي وحكى له قصته..
فطلب منه الرجل ان يعمل معه في التجارة، وفعلا بدأ الدكالي يعمل مع الرجل بالتجارة، وتعلم من الرجل اسرارا جديدة في فن التعامل والتجارة، وكل شيء يفيده في عمله.. الى ان اصبح الدكالي في خمس سنوات من العمل الدؤوب، من الاثرياء بمدينة اسفي و اشترى ضيعة وبنى بها منزلا فخما.
وقبل ان يستوطن منزله الجديد اقترح عليه معلمه امرأة كبيرة لتعمل على خدمته في المنزل الجديد مقابل معيشتها فوافق، ومنذ التحاقها اصبحت لهٌ اماً حقيقة، وبعد اشهر من رعايتها له، قالت له يوما، ان هناك (فتـاة فقيرة) تريد العمل: اريدها معي لتساعدني في اشغال المنزل، فوافق بقلبه الطيب المعتاد ، وبدأت المرأة تزين الفتاة وتلبسها الثياب الجميلة الى ان اعجب بها الدكالي و تعلق بها واحبها، فطلب الزواج منها..
وسهلت له الامور المرأة الكبيرة وحدد موعد الزفاف في احد افخم الفنادق فتم إستدعاء كبار التجار والآثرياء للزفاف.
كان الدكالي في استقبال الضيوف فإذا بالرجل العبدي (صديفه) يدخل، فقال له الدكالي :معاتبـاً اتيت لزيارتك فبعثت خادمك بمحفظة النقود وكأني متسول والآن ماذا تريد..
فهم بطرده من الحفل، لكن معلمه الذي كان بجانبه والسيدة التي تخدمه، منعاه بأذب وقالا له: الا تنصت الى حكايته، فقد يكون له ما يقوله..
فقال الدكالي: وماذا لديه..
قال معلمه: اتركه معي سنجلس هناك (واشار الى الطاولة المخصصة للعريس والعروس واهلهما) وبعد ان تستقبل اخر الضيوف تعال الينا باسرع وقت.
تعجب الدكاليّ، لكن طيبوبته منعته من سؤال الرجل، وبعد ان انهى مراسم الاستقبال جلس الى الطاولة والى جانبه الرجل والمرأة وقال للعبدي: هات ماعندك..
فقال له العبدي : في ذلك اليوم الذي جئت فيه الى الضيعة، لما اخبرني الحارس بقدومك نظرت من شباك المنزل فوجدت حالك التي اتيت بها، فأرسلت لك النقود لتصلح بها حالك امام ابنة عمك التي زوجتني اياها وأنت كنت تحبهـا.
وحين وجدت ان كرامتك قد ابت عليك اخذ النقود احترت ماذا افعل من اجلك
فهل تعلم من هذا الرجل الكبير الذي علمك التجارة انه أبي..
وهذه المرأة التي تخدمك في بيتك هي أمي، وأنا اليوم اتيتك لأحضر عرس أختي.
ثم حمل هاتفة ورن على رقم دون ان يتكلم فإذا ابنة عم الدكالي تجر في يدها طفلا وطفلة، واقتربت من ابن عمها الدكالي، وقبلت رأسه، وجاءت العروس وجلست قربها، فأخرج العبدي من جيبه نصف خبزة وقسمه على الجميع…..فأكلوه
من الأخلاق الحميدة أن لا نرمي حجراً في البئر الذي شربنا منه…