مشيخة الطريق منصب لايورث ولا يوليه السلطان
هكذا يقول السلطان مولاي سليمان في رسالته إلى أبناء الشيخ سيدي العربي بن المعطي الشرقاوي.
لما توفي الشيخ سيدي العربي بن المعطي بن الصالح الشرقاوي – وهو الذي خلف والده على زاويتهم المشهورة بأبي الجعد، وكانت وفاته بالوباء العام سنة 1234 – كتب أبناؤه إلى السلطان العالم المصلح مولاي سليمان العلوي يسألونه أن يعين خلفه من بينهم ، ويوليه رئاسة الزاوية – على ما يفهم من الرسالة السليمانية التي أجابهم بها السلطان المذكور – ولكن السلطان العالم الذي يعرف أن مثل هذا المنصب الديني إنما ينال بالعلم والعمل والمجاهدة والتجرد عن الدنيا، أجابهم بأن الأمر ليس بيده، وأنهم إن شاءوا أن يخلفوا أسلافهم فعليهم بالتقوى والعمل الصالح والسلوك على المنهج الواضح الذي سلكه من قبلهم، فنالوا ما نالوه من المعرفة والرسوخ ومقامات الحمل من رجال الدين إنه بذل لهم النصيحة وهداهم إلى أقرب الطرق الموصلة للمطلوب، ولم يغرر ويساعدهم على مرادهم لعلمه وقوة دينه وإخلاصه في ذات الله.
ولو لم يفعل لكانت فتنة وفساد كبير، كما نراه اليوم في كثير من هذه المناصب الدينية التي ورثها الجهال عن آبائهم، كالإمامة والخطابة والوعظ والتدريس. فأما من تولاها منهم بنفسه، فقد كشف عن عواره، وقضى على روح هذه الوظائف وأبقى صورها فقط، وذلك هو المسخ بعينيه. وأما من أولاها للغير. فقد مسخها ثاني فقدان الروح والصورة معاً وماذا يهمه أن يؤم الناس إمام فاقد الشروط، وأن يخطبهم خطيب منوم لايدري ما يقول، وأن يعلمهم من لم يزل في حاجة إلى التعليم، ما دام هو يأخذ المرتب ويدفع منه قدراً ضئيلاً لهذا النائب الذي هو إحدى النُّوب على الإسلام والمسلمين.
أجل، ان مولاي سليمان رحمه الله عرف ما في انتهاج هذا المسلك الوبيل من الخطر على وظائف الدين، فامتنع من تولية أبناء الشيخ الشرقاوي مشيخة الزاوية وهي – كانت من المراتب التربوية الروحية الكبرى، فجزاه الله عن الدين والنصيحة للمسلمين أفضل ما يجازي به إماماً عادلاً عن رعيته.
نص الرسالة السلطانية كما وجدناها في أحد المجامع الخطية مكتبتنا :
الحمد لله وحده
كتاب سليماني جواب لأولاد سيدي العربي بن المعطي في تعزية أبيهم “كذا”
إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم أجرني في مصابي (مصيبتي) واخلفني والمسلمين خيرا منها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. إن مات أبوكم الفقير إلى الله مثلي ومثلكم ، فان الله هو الغني الحميد الرزاق ذو القوة المتين، فاعبدوه حق عبادته، وكونوا له كوالدكم يكن لكم كما كان له ويخلفه فيكم بخير. «قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي » إلى آخر ما تقرأون وقد ترككم على البيضاء ولم يبق لكم عليه حق؛ فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها، والدين النصيحة وقد نصحت، اللهم أشهد، اللهم أشهد .
وهذه ولاية ليست كسائر الولايات حتى يوليها السلطان، بل هي ولاية لدنية يوليها لمن استحقها الرحمن وأنتم عندي، كالحلقة المفرغة لا يدري طرفها، وأعزكم عندي، من اقتفى نهج أبيه في صلاته وعبادته وجوده وزهده والله الله في إخوانكم الصغار «وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله» وفي الحديث «أنا وكافل اليتيم كهاتين» والله يوفقني وإياكم حتى نتقي الله، آمين.
وجبر الناس على الرجوع أمر متعذر، وإن أردتم أن تخرجوا إلى المحل الذي خرج إليه في الوباء رحمه الله فاخرجوا، ولا عاصم من أمر الله «أينما تكونوا يدرككم الموت» جعلها الله له شهادة وهو ممن هدى الله فيه اقتدوا.
ونسلم على عمتكم الصالحة شقيقة أبيكم ونعزيها في مصيبتها، عظم الله أجرها، وهذا الكتاب يبقى بأيديكم محفوظاً والسلام.