آن الأوان -24
أصل الشر، للمبدعة نادية بنصالح
الإنسان عقدة تستمد قوتها الوجودية والكينونية من صلابة الخيوط التي تربطها بباقي العقد/الأفراد داخل الشبكة المجتمعية، بناء على فهمه وإيمانه لأسباب وجوده (الرسالة) وكيفية توصيلها (التفاعل+الدينامية الجماعية) بمعنى تبعا لإدراك ووعي ماهية وجوده والإيمان بها لرسم خريطة طريق (الهدف) لحياته الفانية والمساهمة إن بشكل صالح أو طالح في المنظومة المجتمعية، وآثاره في رقيها أو اضمحلالها بناء على قانون الوجودية العام في تداولها للحياة بين المجتمعات، كما جاء في نظرية الدولة لابن خلدون.
إن تفاعل العقدة مع باقي العقد هو من يحدد وزنها، علما أن هناك مجموعة من -الإخلالات كما سبق الإشارة إليها في سلسلة آن الأوان- تفسد التفاعل الصالح، لكن يبقى أكبر خطر يهدد ليس فقط العقدة أو الشبكة المجتمعية بل الإنسانية جمعاء، ويعتبر نواة التدمير أينما حل وارتحل، خطر شيطاني ذو أوجه متعددة ومستترة في ذات واحدة يتبعها الغاوون؛ هو النرجسية التي تفوق الأنانية والفكر الميكافيلي ودورهما في هدم وتحطيم القيم النبيلة التي هي عماد العمل الصالح، فالأنانية والميكافيلية في آخر المطاف يحرك تفاعلهما المصلحة وهذه الأخيرة في حد ذاتها تصرف إنساني يمكن أن تكون فيه مغالاة وانحرافات، لكن النرجسي ليست المصلحة أو ما شابهها من تحركه فقط، بل خلق بروح خبيثة -من شر ماخلق، من شر الوسواس الخناس من الجنة و الناس- فروح النرجسي تواقة دائما لتدمير كل ما هو جميل وصالح، روح شريرة حاقدة وحاسدة لا تؤمن بمشاعر الآخر، تغذي على الأقل بالوسواس الأنانية للنفوس الضعيفة اللامدركة واللاواعية بماهية وجودها وكينونتها.
فالنرجسية روح مدركة وواعية بسبب وجودها، لأنها تمثل الشر في هذا الكون المبني على الازدواجية شر/خير، همها الرئيسي أن تخفي حقيقة روحها، سلاحها في ذلك الإغواء و الحفاظ على تمثيل اللاجد بالجد واللامعقول بالمعقول والباطل بالحق والمكنون بالتظاهر… فسعادتها تكمن في تعاسة الآخر، غبطتها في آلام الآخر وراحتها في شقاء الآخر…. فهكذا روح تستمد قوة محياها من مصائب الآخر وتشويه سمعته لأنها لا تغشاها طمأنينة ولاإيمان بماهية وجودها تقيم الأمور عكس كل ماهو طبيعي وعادي وصالح …بشكل مستتر وأساليب مراوغة ومنمقة ومشككة … ونعت الآخر بما هي عليه في الحقيقة للتشويش على صفاء ذهنه وإضعافه والتمكن من التلاعب به وجعله أداة طيعة مسلوبة التفكير والإرادة.
قال الكاتب اللاتيني بوبليليوس سيروس:
يسمى شريرا كل من لا يعمل إلا لمصلحته الذاتية.
…/…