دار الشعر في مراكش تنظم احتفالية شعرية كبرى:
“سحر لغن” ليلة الشعر الحساني بالداخلة
• خيمة الشعر الحساني: حين يعود الشعر الى تربته الأولى.. الصحراء
في أحد أشهر الساحات العمومية بمدينة الداخلة، ساحة الحسن الثاني، انتصبت خيام الشعر ليلة السبت 7 يوليوز الجاري. حج عشاق الكلمة الشعرية من مختلف الأعمار، لحضور احتفالية دار الشعر بمراكش، والتي خصصت للاحتفاء بالمنجز الشعري الحساني أحد أهم روافد التجربة الشعرية المغربية. ليلة استثنائية بامتياز، وبحضور جماهيري كبير وأصوات شعرية تمثل مختلف تجارب الشعر الحساني اليوم، والقادمة من مختلف الجهات الأقاليم الجنوبية المغربية (العيون، الداخلة، السمارة، طانطان، كلميم..).
ليلة الشعر الحساني، أو “سحر لغن”، هي الفقرة التي اختارت دار الشعر بمراكش، بتنسيق مع المديرية الاقليمية لوزارة الثقافة والاتصال، قطاع الثقافة بجهة الداخلة واد الذهب، تنظيم فقراتها ضمن استراتيجية الدار والخاصة بانتقال الشعر الى الفضاءات العمومية، والمزيد من الانفتاح على جهات ومدن مغربية. هذه المرة اختارت دار الشعر بمراكش عمق الجنوب بالصحراء المغربية مدينة الداخلة، من خلال الاحتفاء بأحد أهم مكونات وروافد الثقافة الحسانية، والذي ارتبط بالوجدان الإنساني، الشعر الحساني.
وقدم الشاعر عبدالحق ميفراني، مدير الدار في مستهل اللقاء، ورقة تعريفية بدار الشعر بمراكش. هذه المؤسسة الثقافية التي أحدثت سنة 2017 في إطار التعاون بين وزارة الثقافة والاتصال بالمملكة المغربية ودائرة الثقافة بالشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تعنى باحتضان الإبداعات الشعرية وتثمين وتوثيق الشعر المغربي وتوسيع تداوله. جاءت دار الشعر بمراكش، بتعبير الشاعر ميفراني، محملة ب”جريد النخل كي تضعه في رمال الداخلة العزيزة.. نأتي بالشعر الى أصله ومنبعه وديدنه الأول.. هنا في الصحراء خط الشاعر أول قريض الحرف. ليحل الشعر في الفضاء الذي يليق به ويستنبت تربته الأولى الصحراء..”
• احتفاء بالمنجز الشعري الحساني:
يشكل الشعر الحساني (أو ما يسمى بلغن) أحد الروافد الأساسية لهوية الشعر المغربي، بعمقه العربي والأمازيغي والحساني، كما يمثل خزانا نابضا بموروث تراثي، شكل على الدوام ذاكرة المجتمع. واختارت دار الشعر في مراكش، من خلال الاحتفاء بهذه الذاكرة الشعرية الخصبة، الاحتفاء بأحد المرجعيات الثقافية والشعرية الضاربة في عمق الهوية المغربية.
وشهد لقاء “سحر لغن” إعدادا سينوغرافيا تمثل في حضور الطقوس التراثية من خيام وتقاليد إعداد الشاي، وتأثيث سينوغرافي يراعي الديكور والملابس، وزادت طريقة الإلقاء والمصاحبة الموسيقية لفرقة زغينينا للموسيقى الحسانية الأصيلة، في تمازج الشعري والموسيقي لإعطاء مسحة خاصة للقاء اختار أن يعيد الشعر الى تربته الأولى الصحراء..
• أصوات شعرية: من المديح الى شعرية الصحراء
شارك في هذه الاحتفالية الشعرية الحسانية الكبرى، شعراء وشواعر يمثلون التجربة الشعرية الحسانية اليوم من مختلف الأجيال، في تعددها وانفتاحها على المشهد الشعري المغربي. الشعراء: محمد سالم بابا، خديجة العبيدي، الطاهر خنيبيلا، محمد اسويح، محمد مولود الأحمدي، محمد الكوري ولد الشيخ الطاهر. قدموا نسجوا “ديوان الشعر الحساني” في أبهى حلله. ولعل التجاوب التلقائي مع الجمهور، والتفاعل اللحظي مع كل مقطع شعري، عبر حكم ومعاني ودلالات من معين “العيش الصحراوي وقيمه”، قدم لحظة جمالية أخرى في شعرية التلقي.
القصائد وطرق الإلقاء الشعري، شكلا معا أعمدة الطقس الشعري الحساني. لا مجال للخروج عن نظم محدد بقوالب وأوزان محددة، وفق احترام كلي لجرس الحروف مما يعطي للكلمة، ومن بعدها للصياغة الشعرية وقوالب القصيدة، بعدا خاصا يكون له الوقع الجمالي على الإلقاء الشعري. “الكًاف والطلعة”، قدم خلالها الشاعر محمد سالم بابا (الملقب ب”الري”) التحية قائلا: (نحنا وثقافتنا خليط.. من حضارات بلا وسيط/ والي باغي عن ذاك يميط.. اللثما يجبر لهجتنا/ حسانية لفظ وتخطيط.. عربية رمز العتنا/ من الخليج الى المحيط.. مفهوم بيها لو غتنا/ نحن واهل الخليج اخوت.. مالكيين فسيرتنا/ خلاط مرجام وياقوت.. والعادات وثقافتنا).
ومن قصيدة في بحر “لبتيت التام” يقول الشاعر محمد مولود الأحمدي: (اطلبتك يا الحي الوهاب.. تمنح لي من جودك لسباب/ اللي بها ندخل من باب.. اجنة وانتم افنعيم فضلك وال عندي من لحباب.. فالنعيم امعايا مقيم/ واعلي –لين اللي يدو..خلقك من حمان ارتيم). وانبرى الشاعر الكوري ولد الشيخ الطاهر الى تقديم صورة مصغرة على المديح النبوي، في تجربة الشعر الحساني، قصائد صوفية موغلة يوازيها طريقة إلقاء تقترب من الغناء الروحاني، وقرأ من أحد نصوصه: (ما نكدر عن حكايت بيت .. نفوت ما هو وح وقيت/ كيفت ما نقدر على لبتيت .. نفوت شي ذاك معناه/ معناها ني باط الى تيت .. نحكي ننكر في مات غناه..). وأرسلت الشاعرة خديجة لعبيدي (الملقبة ب”الناها”) التحية لدار الشعر بمراكش: دار الشعر ابديه.. ضا الوسات امكاني/ تدوين الشعر فيه اقدر من معاني/ وادور تمعن بيه.. الشعر الحساني.
الشاعر الطاهر خنيبيلا أعاد الحضور الى شجون الشاعر اليومية، والى مواضيعه الآثيرية، يقول: (دار الدنيا ماهي.. قرار ألا لاهي حد ادوم أراهي/ فيها يكطع بيها/ واشبه فالملاهي.. حد إكلل فيها/ وإثم اباستعفار.. والخير ازكيها/ واشوف الذيك الدار.. المعمول اعليها). وشارك الشاعر محمد السويح، أحد رموز الشعر الحساني مند نهاية ستينيات القرن الماضي في ليلة الشعر الحساني، ومن معين قصائده نقرأ: (مول الملك اعبادك تترجاك..تشاوى وبڭات ابــلام/ بج اعليهَ غيث امن اسمـاك..فوك غيث امن السلامَ/ إلين أتـــول لرض حريـــر ..من لخظار أينعم لبعير/ وززال ألفحـــل لكبيـــــــر .. ذ شوفن بيهـــم كـــام).
وشهدت ليلة الشعر الحساني، مشاركة فرقة ازغينينة للموسيقى الحسانية، والتي أدت فواصل موسيقية من التراث الحساني الأصيل. هي ليلة ضمن فقرات وبرنامج دار الشعر بمراكش، والتي ستتواصل مستقبلا، بمزيد من الانفتاح على جغرافيات وحساسيات شعرية من المنجز الشعري المغربي.