بعيدا عن السياسة…
أحيانا يحق لنا الهروب من السياسة، والسقوط في أحضان الثقافة وعبق التاريخ والتراث والأدب والفن… لسبر أغوار الذاكرة والسفر عبر مسارات التاريخ.
فبمناسبة الذكرى 27 لوفاة السيدة اوديت دوبيكودو Odette du Puigaudeau، نظم مركز الدراسات الصحراوية بالرباط بتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الانسان، يوم الخميس 19 يوليوز 2018 حفل تكريم لباحثة ورحالة فرنسية ولدت بسان نازير ببروطانيا بالشمال الغربي لفرنسا سنة 1894، وجالت المغرب وصحراءه منذ سنة 1933، وتركت دراسات ومؤلفات تؤرخ للعلاقات التاريخية والتجارية والثقافية بين المغرب وموريتانيا والسينغال.
وهو رد الاعتبار لسيدة أحبت المغرب وقضت به أزيد من 30 سنة، شغلت خلالها عدة وظائف، منها مكلفة بالتوثيق بوزارة الاتصال ومديرة مكتب علم الآثار بمتحف الآثار بالرباط، كما قدمت برامج تهتم بالأنتربولوجيا وعلم الاجتماع، وظلت مقيمة بالرباط إلى أن فارقت الحياة في سنة 1991، شبه منسية، وساهمت في التعريف وطنيا ودوليا بالثقافة الحسانية وبعادات وتقاليد البدو الرحل.
هذا الحفل التكريمي يذكرني بشخصية مماثلة، تعرفت على مسارها أثناء الاشتغال على تدوين كراسة “تيزنيت: الذاكرة الجماعية” وهو ميشال فيوشانج Michel VIEUCHANGE، الذي سبق له ان زار مدينة تيزنيت في رحلة إلى مدينة السمارة.
وقد اكتشفت أن السيدة اوديت دوبيكودو زارت كذلك مدينة تيزنيت في رحلتها الثانية في سنة 1936 ووصفت في مذكراتها لقاء مع فرقة غنائية نسائية بالأمازيغية، وأعطت تفاصيل عن اللباس والحلي والإيقاعات الموسيقية. وما زالت صورها شاهدة عن ذلك.
جميل .. دون ان يعني هذا ان علينا الامضاء على بياض لا لجستينار و لا لفيو شونج و لا لأديت و ما سواهم من رجالات و نساء الاستخبارات العسكرية الفرنسية ..!! حقيقة ان ما انجزه هؤلاء لحكومات بلادهم التي يحبونها بصدق و اخلاص .. و ليس لسواد عيوننا التي لم تكن ابدا ضمن حساباتهم … و من باب الاعتراف بالواقع نثمن طواعية و عن قناعة ان ما انجزه و جمعه هؤلاء الباحثون و كاتبو التقارير عن عاداتنا و ثقافتنا ليس له مثيل في كلما كتب محليا حتى و إن وجد كتاب من بني جلدتنا مهتمون … اللهم إلا شذرات في مترجم ” وصف افريقيا ” لحسن الوزان الذي لم يشمل السوس الاقصى كله و مؤلفات الشيخ المختار السوسي في مواده التي بقيت على خاميتها تقريبا الى اﻻن ..
للاشارة فقط الكاتب ميشيل فيو شانج فعلا مر بتزنيت في طريقه الى السمارة التي قصدها ببحثه متخفيا و مر بها ايضا مريضا مرضا شديدا بعد عودته حيث خضع للعلاج على يد اخيه الطبيب بمستشفى تزنيت حوالي 1930 ..لكن مرضه لم ينفع معه التطبيب فارسل الى اكادير حيث لفظ انفاسه الاخيرة و دفن هناك بمقبرة اكادير ؤفلا و نقل جثمانه بعد ذلك الى مقبرة احشاش – زرت قبره مرات عديدة و عليه شاهد منقوش عليه نبدة عن حياته القصيرة و صورته ..الرحمة لمن شاءت ارادة الله ان تشمله .