الفصل الرابع : موسم الهجرة الى الشاطيء !
بقلم : رحال امانوز .
انتهى الموسم الدراسي بخيره وشره . وأخيرا حلت العطلة الصيفية الكبرى . كانت وقتها تمتد لثلاثة أشهر بالتمام والكمال : يوليوز وغشت وشتنبر . فشتان ما بين حقبة السبعينات واليوم … تخلصت من حقيبتي الثقيلة . ومن الذهاب والإياب للمدرسة . ومن الحصص الطويلة بين جدران المدرسة . ومن الاستيقاظ المبكر . الآن يمكنني النوم إلى غاية الزوال . كسجين استرجع حريته . بعد انتهاء مدة محكوميته …
كنت أقضي أنا واترابي الصغار وقتنا . في اللهو واللعب بزقاق الحي . حيث نمارس شغبنا الطفولي … ونزاول مختلف الألعاب المتاحة في ذلك الوقت . وخاصة كرة القدم … بعض ساكنة الحي وخاصة الكهول منهم . كانوا يتاففون من الضجيج الذي نحدثه . منهم من يطردنا من أمام عتبة داره . بل منهم من يقطع كراتنا البلاستيكية بسكينه . ويقذفها في وجوهنا . مع امطارنا بسيل من الشتائم . فنضطر إلى جمع النقود وشراء كرة أخرى . والتي ستلقى نفس المصير من عجوز آخر …
الحرارة المفرطة تدفعني أنا ورفقاءي إلى التوجه إلى البحر . كنا نتوجه سيرا على الأقدام . من منطقة ابن مسيك والى غاية شاطيء البحر . أحمل معي وجبة غذاءي والماء و ( لامبر سولير ) وهو عبارة عن زيت بلدي ممزوج بالليمون . كنت وزملاءي نحضره لوحدنا … الذهاب إلى البحر كنا نعتبره مغامرة كبيرة نخوضها . نخال أنفسنا ذاهبون الى المجهول . لاكتشاف قارة غير معروفة … نخترق أزقة درب السلطان الضيقة . وحين نصل مركز المدينة . ننبهر بالشوارع الفسيحة النظيفة . والعمارات الشاهقة . وخاصة عمارة ( الديساتي طاج ) العالية . والسيارات الفارهة . والمحلات التجارية الأنيقة . وزباءنها من طبقة راقية . منهم نصارى واجانب تظهر عليهم آي النعمة …
ما ان تلوح لنا مياه المحيط . وقبل ان نصل الشاطيء الصخري ( مريزيقة ) . حتى نتجرد من ملابسنا . ونلقي بانفسنا وسط مياه البحر المنعشة ! ننسى انفسنا بين المياه الباردة … احيانا كنا نتوجه نحو شاطيء عين الذءاب القريب . ونتمكن بعد عدة محاولات من التسلل إلى المسبح البلدي … عالم آخر ؟ اناس من طبقة لا يمتون لطبقتنا الشعبية باي صلة . تظهر عليهم علامات الغنى والترف . يرطنون باللغة الفرنسية . ويرافقهم الكلاب والقطط والخدم …
وفي طريق عودتنا كنا نمضي وقتا كبيرا في التسكع وسط المدينة . حيث نكتشف أشياء كثيرة نفتقدها في حينا الشعبي ؟ مما يجعلنا نصل متأخرين لما بعد الغروب الى بيوتنا … كنا نستقبل بعلقة ساخنة من آباءنا . الذين كانوا في حالة يرثى لها من الترقب والخوف . لقد اخفينا عنهم امر ذهابنا للبحر . لكن أصحاب الحسنات كانوا يشون بنا . على سبيل الإنتقام …
كانت الأسر تخاف على اطفالها . من الذهاب إلى البحر دون رفقة . فلطالما غرق الكثيرون و ابتلعهم البحر ! فكل سنة يختطف عددا من القرابين . لطالما حذرنا أولياؤنا : ( البحر والعافية والمخزن ما معاهمش اللعب ) … ولكن حرارة الجو المفرطة . واشعة الشمس التي تلسع اجسادنا البضة بلهيبها . وحب المغامرة يدفعنا مرات ومرات . الى خوض التجربة من جديد رغم المخاطر . فنقصد الشاطيء لننعش اجسادنا الصغيرة بمياهه الباردة …