العمل الجمعوي: مقاربة نقدية بين الخطاب والممارسة.

ابو آدم الشرقاوي مهداوي

يشكل العمل الجمعوي جزءًا أساسيًا من النسيج المجتمعي في العديد من البلدان، حيث يسعى إلى تعزيز المشاركة المدنية وتحقيق التنمية الاجتماعية. ومع ذلك، يطرح امام  هذا النوع من العمل تحديات جوهرية تتعلق بمدى فعاليته واستقلاليته، خاصة في ظل تزايد التأثيرات السياسية والاجتماعية التي قد تطغى على أهدافه الأساسية.

اكاديميا، العمل الجمعوي هو مجموعة من الأنشطة والمبادرات التي تقوم بها جمعيات وهيئات غير حكومية بهدف خدمة المجتمع وتحسين ظروف الحياة للفئات المختلفة داخله. يشمل هذا العمل مجموعة واسعة من المجالات، بدءًا من التعليم والصحة، وصولًا إلى حقوق الإنسان والتنمية المستدامة.

لكن ظاهرة جديدة، انجبها التطور التكنولوجي المتسارع، طفت على السطح، إذ في كثير من الأحيان، يتم قياس نجاح العمل الجمعوي بعدد الصور المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي أو بالشعارات الرنانة التي يتم الترويج لها. لكن الحقيقة هي أن العمل الجمعوي الحقيقي يُقاس بمدى الأثر الملموس الذي يتركه على حياة المواطنين.

الظاهرة بدورها خلقت صنفا جديدا من (الفاعلين الجمعويين) الذين امتطوا العمل الجمعوي كحصان طروادة لتحقيق أغراض سياسية أو شخصية. هؤلاء الفاعلين قد يقدمون شعارات براقة ووعودًا كبيرة، لكنهم في النهاية لا يقدمون أي شيء ملموس للساكنة.

لذلك، من المهم اليوم أن ترفع الساكنة مستوى وعيها وعدم الوقوع في فخ الشعارات التي لا تمت بصلة لمصلحة الأحياء والشباب. يجب على المجتمع المدني أن يبقى مستقلًا، شفافًا، ومحصنًا ضد كل محاولات الاستغلال.

Square

نعم، هناك حاجة ملحة لبروز نخبة جديدة من الفاعلين الجمعويين والسياسيين، تكون أولويتهم خدمة الصالح العام لا البحث عن النفوذ والسلطة. هذه النخبة يجب أن تكون قادرة على تقديم حلول ملموسة للمشاكل التي تواجه المجتمع، وأن تعمل على تعزيز ثقافة العمل التطوعي والخدمة العامة.

غير أن من أبرز التحديات التي تواجه الفاعل الجمعوي، هي الاستغلال السياسي، حيث يستخدم بعض الفاعلين كأدوات لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية، مما يؤدي إلى انحرافهم عن مسارهم الأصلي المتمثل في خدمة المجتمع. هذا الاستغلال يمكن أن يُضعف من مصداقية العامل الجمعوي ويقلل من فعاليته.

كذلك، تعاني العديد من الجمعيات من نقص في الموارد المالية والبشرية، بل اننا نجد جمعيات اشخاص اكثر منها تكثل افراد، مما يحد من قدرتها على تنفيذ مشاريعها وتحقيق أهدافها. هذا النقص يمكن أن يؤدي إلى تراجع في جودة الخدمات المقدمة وعدم قدرة الجمعيات على تلبية احتياجات المجتمع بشكل كافٍ.

في هذا السياق، يصبح من الضروري التفريق بين العمل الجمعوي الحقيقي الذي يركز على الأثر الملموس والمستدام، وبين الأنشطة التي قد تُستخدم كأدوات لتحقيق مصالح خاصة أو سياسية.

إن المجتمع المدني مطالب بأن يلعب دورًا حاسمًا في دعم وتعزيز العمل الجمعوي من خلال رفع مستوى الوعي، المساهمة في صنع القرار، ودعم استقلالية الجمعيات والمؤسسات غير الحكومية.

في النهاية، يبقى الأمل معقودًا على بروز نخبة جديدة من الفاعلين الجمعويين والسياسيين، تكون أولويتهم خدمة الصالح العام لا البحث عن النفوذ والسلطة. هذه النخبة يجب أن تكون قادرة على تقديم حلول ملموسة للمشاكل التي تواجه المجتمع، وأن تعمل على تعزيز ثقافة العمل التطوعي والخدمة العامة. فمن خلال العمل الجاد والمستمر، يمكن تحقيق تأثير إيجابي ودائم على حياة الأفراد والمجتمعات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.