الحركة الوطنية والمقاومة بأبي الجعد، حتى لا يفترى على التاريخ
ذ. محمد المومني
كان الحاج عبد الواحد الشرقاوي هرما، وكان بحق أيقونة الحركة الوطنية والمقاومة بمدينة أبي الجعد والدائرة، بل والناحية كلها، وكل من عاصره يشهد له بذلك وقد عرفت الحاج عبد الواحد الشرقاوي شخصيا ورافقته ما يقرب من ربع قرن. فهو رجل شهم كريم وفي قوي الإيمان يشع نور الإيمان من محياه مثقف يتكلم بهدوء كلامه كله حكم دائم الابتسامة يجد لذة في التواصل مع الناس وقضاء حوائجهم و حل مشاكلهم لا يخاف في الحق لومة لائم كان على خلق عظيم كان صالحا ومصلحا وصدق من قال فيه.
تاج الوقار وعزيمة الفتى
فكأنما في الناس أنت الأطلس
ومن قال فيه أيضا:
اسأل خلايا الحي عنه أجاهلا
هذا الذي هو بالجهاد تفردا
واسأل نوابغ عصره عن علمه
كل على نادي العلم ترددا
ومن قال فيه كذلك :
العفو طبعه والتواضع خلقه
والبذل عيبه و القرى تاج الخصال
يسعى لحل مشاكل المستصرخين
به و لو كانت ممنعة المنال
وكان كل من له قضية مستعصية يلجأ إليه فيقف بجانبه ويحل له المشكل.
وكنت وأنا نائب برلماني ألجا إليه فيساعدني ويرشدني ويحل المشاكل التي أعجز عن حلها. وكان قد حكم عليه كما سبق ذكر ذلك بشهرين حبسا أثناء الحملة التي شنها المراقب المدني بأبي الجعد بعد صدور العريضة المحلية المؤيدة للعريضة الوطنية للمطالبة بالاستقلال. كما حكم عليه أيضا بسنة و نصف أثناء الحملة التي شنها المقيم العام كيوم على حزب الاستقلال تمهيدا لعزل محمد الخامس ونفيه. وكان قد عين ناظرا للأوقاف ببني ملال بعد الاستقلال دون أن يطلب ذلك، ولكن احتراما للظهير الذي صدر بتعيينه امتثل له وقبل القيام بهذه المهمة، فقام بها أحسن قيام. وكل من عاصره يشهد له بذلك وكان تعيينه ناظرا للأوقاف ببني ملال بردا وسلاما على مدينة أبي الجعد والدائرة لأنهما كانتا تابعتين لإقليم بني ملال. وكان كل من له مشكل في العمالة أو المحكمة يلجأ إليه فيحل له المشكل ويطعمه ويساعده ماديا إن كان في حاجة إلى المساعدة. وما أكثر الذين وقف بجانبهم و ساعدهم !
وقد حكى لي السيد البوهالي بن خاجة جلال وهو من أولاد اجواوش ومن المقاومين وكان قد حكم عليه بعشرة أشهر أثناء الحملة التي شنها المقيم العام كيوم على حزب الاستقلال تمهيدا لعزل محمد الخامس ونفيه. حكى لي أنه ذهب مرة إلى مدينة بني ملال من أجل قضية له في المحكمة فلجأ إليه فذهب معه إلى المحكمة فحل له المشكل وأتي به إلى بيته و تناول معه الغذاء، ولما أراد أن ينصرف لم يجد حذاءه وكان حذاء يكاد يتلاشي، فراجع الحاج عبد الواحد الشرقاوي في الأمر فأعتذر له وقال له ربما أخذه أحد أفراد الأسرة خطأ خذ هذه البلغة وكانت بلغة جديدة. وأثناء الحملة الشرسة على حزب الاستقلال في الستينيات من القرن الماضي وتأسيس أول حزب إداري في المغرب الذي كان يسمي – الجبهة . تمت المحاولة معه ومساومته ليتخلى عن حزب الاستقلال فرفض رفضا باتا فأقيل من منصبه كناظر الأوقاف ببني ملال فحمد الله على ذلك. ورجع إلى مهنته الأصلية مهنة التجارة فنجح فيها نجاحا كبيرا. ولكن الله أراد أن يمتحنه مرة أخرى فتعرض للغدر من أحد شركائه، كما تعرض للخيانة من بعض الذين كانوا يعملون معه فتراجعت تجارته فصبر على ذلك وحمد الله. وعندما كان المجاهد الهاشمي الفلالي وزيرا للأوقاف عرض عليه العودة إلى المنصب الذي أقيل منه فقبل وعاد ناظرا للأوقاف ببني ملال ولكن بعقد، وبقي كذلك إلى أن تقاعد دون معاش فحمد الله وصبر و إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب و صدق الله العظيم.
وكان الحاج عبد الواحد الشرقاوي يتصف بنكران الذات ففي سنة 1977 اقترح عليه مكتب فرع حزب الاستقلال بمدينة أبي الجعد أن يترشح للانتخابات البرلمانية فرفض وأراد ابن عمه وصديقه الحميم الحاج المعطي السموني أن يترشح فأقنعه بعدم الترشح وقال له نريد شابا للقيام بهذه المهمة واقترح اسمي ولم أكن حينذاك عضوا بمكتب الفرع فوافق أعضاء المكتب بالاجماع على هذا الاقتراح ووافق عليه عدد كبير من المناضلين بالدائرة منهم رؤساء وأعضاء جماعات قروية. وترشحت وبدأت الحملة الانتخابية وتجند لها المناضلون الكبار في حزب الاستقلال منهم الحاج الجلالي بن الصالح معروف وابن عمه الحاج امبارك حنبلي وكان رئيسا لجماعة بني زرنتل وأولاد اجواوش والحاج أحمد بن لبصير مرتبط، وكان رئيسا لجماعة تشرافت أي البراشوة ورئيسها السابق محمد بلكبير ووطنيون كبار من قبيلة البراشوة على رأسهم الحاج عبد القادر حواص وأخوه أحمد حواص ونزیه محمد بن الحاج و غيرهم… ولازلت أذكر أن جماعة من مثقفي قبيلة البراشوة يزيد عددهم عن عشرين جاءوا عندي أثناء الحملة الانتخابية وأعلنوا
أنهم يدعمونني كما تجند لها أيضا عدد كبير من الوطنيين من جماعة الشكران والرواشد على رأسهم كريت الصالح بن القائد بو عبيد الذي كان مسؤولا عنها من طرف حزب الاستقلال كما تجند لها رئيسها محمد جدوي ورئيس جماعة بني بتاو امحمد فائز ووطنيون أخرون من هذه الجماعة على رأسهم المناضلان حمو الزعيم والحاج العربي برجادي. وكان يقود هذه الحملة إلى جانبي بكل قوة الحاج عبد الواحد الشرقاوي كما كان يقودها بنفس القوة إلى جانب عبد الحق التازي الذي كان مرشحا باسم حزب الاستقلال في بني ملال. وفي آخر الحملة الانتخابية استدعى رئيس الدائرة وكان يسمى عبد الرحمان الحافظي، الحاج عبد الواحد الشرقاوي بصفته كاتب مكتب فرع حزب الاستقلال بمدينة أبي الجعد واستدعاني معه بصفتي مرشحا بإسم حزب الاستقلال ولما جلسنا عنده في المكتب توجه رئيس الدائرة نحوي وقال لي : ” إنك أنت الذي ستفوز في هذه الانتخابات “. وكدت أصيح في وجهه لأنني شعرت في داخلي بنوع من الإهانة ، ولكن الله ربط على لساني فلم أفعل.
وجرت الانتخابات ففزت فيها ففرح الوطنيون بهذا الفوز فرحا كبيرا واعتبروه بمثابة رد الاعتبار لهم بعد حملة التضييق
والعنت الذي تعرضوا له منذ بداية الستينيات من القرن الماضي. فخرجوا منذ إعلان النتيجة عند طلوع الفجر إلى ما بعد الزوال إلى الشوارع وهم يرقصون ويغنون ويتجولون في أحياء المدينة بما في ذلك الأحياء الهامشية. وكان ذلك اليوم يوما مشهودا حقا. وكان الفضل في ذلك كله يعود إلى الحاج عبد الواحد الشرقاوي. وبعد ذلك شرعت في تطبيق الشعار الذي رفعته أثناء الحملة الانتخابية وهو (لا ظلم بعد 3 يونيو ) وهو اليوم الذي جرى فيه الانتخاب. فأعلنت الحرب على الظلم والفساد والرشوة.
كما بدأت أعمل لحل مشاكل المواطنين والاستماع إليهم والبحث عن الشغل لمن يحتاج إليه والحصول على منح للطلبة سواء داخل المغرب أو خارجه. وساعدني على ذلك أن حزب الاستقلال كان مشاركا في الحكومة بثمانية وزراء ، كما ساعدتني جريدة العلم الغراء على فضح الخارجين عن القانون، وكذلك عامل الإقليم آنذاك المسمى محمد الدخيسي الذي كان له حس وطني وكان يحدثني عن المجاهد الهاشمي الفلالي وما تعرض له من محن أثناء الاستعمار. وكان لا يرد لي أي طلب فيه مصلحة للمواطنين. ولكن ذلك لم يدم طويلا إذ بعد انتقاله انقلبت الأمور رأسا على عقب. وبعملي هذا أصبحت عدوا للسلطة… وخيبت أملهم لأنهم كانوا يعتقدون أني سأكون أمعة.
وكان عبد الواحد الشرقاوي يقف بجانبي ويشجعني ويرشدني وكان بحق أستاذا لي في الوطنية وفي السياسة وتعلمت منه الكثير وكان يعتبرني امتدادا له وكان يعاملني كما يعامل أحد أبناءه وقد قضيت في البرلمان ست سنوات خرجت بعدها صفر اليدين لا أملك شيئا وخرجت بعداء السلطة لي ولكني في المقابل خرجت راضيا عن نفسي، وعلى ما قمت به من أعمال لصالح المواطنين وخرجت باحترامهم لي، فحمدت الله كما كان يفعل
الحاج عبد الواحد الشرقاوي. وبعد انتهاء مدة الانتداب إلى البرلمان عدت إلى كلية الحقوق بالرباط التي كنت أعمل بها أستاذا مساعدا وانخرطت في نفس الوقت في مهنة المحاماة فعوضني الله لا أقول ضعف بل أضعاف ما كنت أتمنى فلله الحمد وله الشكر.
والحاج عبد الواحد الشرقاوي في الواقع هو من طينة خاصة قل ما يجود الزمان بأمثاله فهو كان يتجمع فيه جميع صفات
المؤمن الحق. وقد زرته وهو طريح الفراش في أيامه الأخيرة فوجدت النور يشع من محياه، وهو نور الإيمان الذي كان يملأ قلبه. وقد حكى لي المرحوم الحاج محمد خيير الذي كان نائبا برلمانيا بتادلة أنه زاره بعد وفاته فكشف عن وجهه فوجده وكأنه نائم.
فرحم الله الحاج عبد الواحد الشرقاوي وجزاه عما قدم لبلده من أعمال صالحة سيذكرها التاريخ.