أخبار عاجلة

تنمية المناطق الجبلية والقروية اية مقاربة ؟ بقلم : نورالدين زوبدي

تنمية المناطق الجبلية والقروية اية مقاربة ؟

بقلم : نورالدين زوبدي

مما لا شك فيه ٱن المناطق الجبلية والقروية تعتبر خزانا للمواد الأولية، سواء كانت ذات طابع غذائي او صناعي ، والذي بواسطته تشتغل المعامل والمصانع بالقرب من المدن ، هذا فضلا عن توفير ملايين مناصب الشغل في المجال الفلاحي والصناعة التقليدية . بناء على هذه الأهمية، فإن تنمية هذه المناطق تُعدُّ الحجر الأساس في تحقيق نمو متوازن وعادل ، يستهدف الاهتمام بالعنصر البشري ، عبر توفير كل الامكانات التي يتمتع بها نظيره القاطن بالمجال الحضري .

إن كل المؤشرات المتعلقة بالتنمية ، تؤكد أن ساكنة المناطق القروية والجبلية ، لازالت تعاني من الخصاص المهول ، رغم المجهودات المبذولة من طرف الدولة وباقي الشركاء الترابيين ، غير انها تظل غير كافية ، نظرا للبون الشاسع بين المتطلبات والموارد المرصودة .هنا يمكن أن نستحضر البرنامج الوطني للتقليص من الفوارق المجالية ، الذي حقق بعض الانجازات منها فك العزلة عن ساكنة هذه المناطق ، وأضاف تحسينات على العرض التربوي ، حيث سُجل تقدما ملموسا في البنايات المدرسية ، وتراجعا في نسبة الهدر المدرسي بفعل توفير النقل المدرسي .

إن تأثير البرامج الوطنية على تنمية هذه المناطق ، يبقى ضعيفا ، وذلك بالنظر إلى الموارد المالية المرصودة، وكذلك إلى نوعية القطاعات التي استهدفتها ، بغية تحسين بعض المؤشرات ، دون التفكير في تنمية العنصر البشري ، عبر خلق فرص الشغل ، و جعل هذه المناطق منتجة للثروة ، وذات جاذبية للاسثتمار العام والخاص .

انطلاقا مما سبق، فإن المدخل الرئيس للتنمية بالمناطق الجبلية والقروية، يمر عبر توطين مشاريع كبرى متنوعة ، تراعي خصوصية هذه المناطق لتصبح الأرضية الخصبة لاستقرار أبنائها فيها . هنا يمكن تقديم بعض الاقتراحات، منها:
أولا :مقترحات تستهدف تحسين الدخل وخلق فرص الشغل . و هي على النحو التالي:

* تسطير برامج للمحافظة على الثروات المائية ، وطرق تدبيرها واستعمالها ، واعتبار هذه المادة أساس التنمية ، وذلك ببناء سدود جديدة ، وتسريع مشاريع تحلية مياه البحر ، لتخفيف الضغط عن الأحواض المائية .

*تعميم السقي الموضعي، و تشجيع الزراعات البديلة المقتصدة للماء ، لتمكين الفلاح بهذه المناطق من الصمود في وجه التغيرات المناخية .
*إحداث أسواق الجملة المجهزة (مخازن للتبريد والتلفيف.. ) قصد تسويق المنتجات في أحسن الظروف ، والتقليص من ربح الوسطاء .

* إعادة تأهيل النسيج التعاوني المشتغل في القطاع الفلاحي (تعاونيات جمع وتسويق الحليب.. )، بهدف تجنيبها الافلاس المترتب عن النقص الحاد في الحصول على المواد الأولية ،عبر تغيير مجال اشتغالها.

*ربط المناطق الجبلية والقروية بالاقطاب الحضرية الكبرى ، وذلك بتشييد الطرق السيارة والمطارات والسكك الحديدية ، لتسهيل تنقل البضائع والمسافرين ،حتى تصبح هذه المناطق ذات جاذبية ترابية.

* احداث مناطق صناعية خارج المدن ، متخصصة في تثمين المنتوجات المحلية ، سواء كانت فلاحية أو معدنية ، وخلق شركة التنمية الجهويةSDR لتدبيرها ، و جعلها قادرة على المنافسة وجلب الاستثمارات.

* إنشاء مناطق لوجستيكية كفيلة بتسويق هذه المنتوجات المصنعة ، وجلب المواد الضرورية لبناء صناعات محلية(موانىء جافة بالنسبة للمناطق التي تبعد على البحر les ports sec) .

* تهيئة المناطق السياحية ، لجعلها قادرة على استيعاب السياح الأجانب والمغاربة ، وذلك بتوفير بنيات الاستقبال في المستوى المطلوب دوليا، (بنية فندقية ، مدارات سياحية ، وسائل حديثة نقل السياح في المناطق الجبلية.. “ليتليفيريك” ).

* الاهتمام بالمآثر التاريخية وتهيئة المنتزهات (الشلالات البحيرات،المخازن الجماعية ، المتاحف….. )

* خلق شركة للتنمية الجهوية متخصصة في السياحة ، لتكون الأداة المناسبة لبلورة هذه المشاريع على أرض الواقع .

* تشجيع المنتوج التقليدي ، وخلق فضاءات لتسويقه ، وتقديم الدعم الضروري لتحفيز الصانع التقليدي ، عبر تنظيم الملتقيات الجهوية والوطنية .

*إحداث معاهد التكوين في الفلاحة والصناعة التقليدية ، والخدمات السياحية لابناء هذه المناطق .

ثانيا: مقترحات تستهدف توفير البنيات الأساسية ، و التي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة انواع :

النوع الأول: الصحة والتعليم

من المؤكد أن هذه المناطق لازلت تابعة للحواضر ، التي تعاني بدورها من ضغط كبير نتيجة نزوح ساكنة المناطق الجبلية والقروية صوب هذه المؤسسات قصد الاستفادة من الخدمات .

وفي هذا الصدد ، يمكن اقتراح تهيىء المراكز القروية بالقدر الذي سيجعلها مؤهلة لاستيعاب المؤسسات الطبية والتعليمية، وباقي المرافق الضرورية . هذا بحيث سيحولها إلى مدن صغيرة وسط هذه المناطق .

إن الاهتمام بهذه المراكز القروية ، سيساعد على تحسين مجموعة من المؤشرات، كالهدر المدرسي ، الفقر، الأمية… ، بحيث سيتحقق القرب والفعالية ، والانخفاض في تكلفة التنقل والسكن للنسبة للمرتفقين ، كما سيشجع أبناء هذه المناطق على استكمال مشوارهم الدراسي، وتكوينهم المهني .

النوع الثاني : فك العزلة ، التزود بالماء، و السكن اللائق.

* فك العزلة

لقد قطعت بلادنا اشواطا مهمة في فك العزلة عن هذه المناطق . لكن لازال بعضها معزولا عن الشبكة الطرقية، ولهذا وجب استكمال برنامج تقليص الفوارق المجالية (الشطر الثاني ) لتحقيق الهدف المسطر. مع ذلك تبقى اشكالية المحافظة والصيانة لهذه المسالك الطرقية مطروحة ؛ و اعتقد ان خلق مجموعة الجماعات ودعمها هو الحل الأمثل لتحقيق الصيانة اللازمة لاستمرار هذه المسالك في الخدمة .

* الماء الصالح للشرب

يعيش المغرب موجة جفاف حادة ، بفعل التغيرات المناخية التي كان لها الاثر البليغ على المخزون المائي بالسدود والآبار الجوفية ، مما خلق أزمة التزود بهذه المادة الحيوية والأساسية في الحياة. يمكن اعتبار العمل على إيجاد الحلول الاستعجالية لتزويد سكان بعض الدواوير بالماء الصالح للشرب ، من أهم الأولويات التي يجب أن يعطى لها الاهتمام اللازم ، لتحقيق أهم مطلب لايقبل التأجيل.

من المنتظر في الشهور القادمة ، أن تعرف بعض المناطق خصاصا في التزود بالماء الصالح للشرب، نتيجة عدة عوامل ، منها النقص الحاد في التساقطات وتراجع الفرشة المائية ، بشكل سيصبح معه التزود بهذه المادة أمرا صعبا ، الشيء الذي يتطلب التدخل العاجل ، لجلبها من مناطق أخرى أو حفر آبار بعمق أطول، مما سيؤثر على تكلفة الإنجاز والتوزيع.

إن ضمان ديمومة التزود بالماء الصالح للشرب بالنسبة للمناطق القروية والجبلية ، يتطلب التفكير في انشاء مشروع كبير ، هدفه هو التزود من الأحواض المائية ، عوض البار الجوفية ، التي يصعب التكهن بقدرتها على تزويد شبكات التزويع ، وكذلك نفاذ مخزونها ، مما سيعرض الساكنة للحرمان من هذه المادة الحيوية ، وفي وقت يستحيل معه التدخل لتعويض الخصاص .

* السكن اللائق

البناء في المناطق الجبيلية و القروية يستوجب معالجة قانونية ، وذلك بسن قانون جديد ، ينظم البناء ويراعي الخصوصية والامكانات المادية للأسر الفقيرة . هنا يمكن أن نقترح تأسيس وكالة قروية متخصصة في مواكبة العمران، ومنح التراخيص والمساعدة على اعداد التصاميم .

النوع الثالث : الرياضة والترفيه

مما لا ريب فيه ، أن المناطق الجبلية والقروية تشهد حرمانا من المرافق الرياضية والترفيهية . لا يعقل أن يستمر التمييز بين ابناء الحواضر وأبناء المناطق الجبلية والقروية ، وذلك سبب تواجد اغلب المنشأت الرياضية والترفهية بالمدن ، ان لم نقل كلها ، وهذا يجعل فئة كبيرة من ساكنة البلاد غير معنية بسياسة الدولة في التنشيط الرياضي والترفيهي .

المطلوب اليوم ، هو تمكين هذه المناطق من الملاعب الرياضية وقاعات الألعاب والساحات المعدة لممارسة بعض الأنشطة الرياضية والترفهية في كل المناطق .

إن تحقيق هذه المتطلبات، يظل رهين تمكين المجالس الترابية وفي مقدمتهم الجهة من الموارد المالية حتى تمارس الاختصاصات الذاتية الحصرية التي أسندت إليها . أيضا ينبغي تصحيح مجموعة من المعطيات المتعلقة بالمناطق الجبلية و القروية؛ أولها طريقة احتساب المساهمة في الناتج الداخلي الخام ، إذ لا يعقل أن نستمر في احتساب إنتاج المصانع بناء على تواجد المقر الاجتماعي ، بل الصحيح والطبيعي هو موقع الإنتاج، وهذا سيبرز الوزن الحقيقي لكل منطقة،بالإضافة إلى حرمان جهات من موراد الضريبة على دخل الشركات ، ومنحها إلى جهات أخرى بعلة تواجد المقر الاجتماعي بها (جهة بني ملال – خنيفرة نموذجا ) .

الدولة مطالبة بتنزيل الجهوية المتقدمة ، وإعطاء الجهة الصدارة التي بوأها إياها الدستور المغربي ، و نقل الاختصاصات إليها حتى تتمكن من ممارسة دورها في ارساء حكامة ترابية ، تنصف هذه المناطق .

 

عن admin

شاهد أيضاً

لماذا تطورت ظاهرة العنف ضد الأستاذ (ة) ؟

بقلم/ذ. محمد بقوح سؤال خطير ومستفز، يسائل الخبراء والباحثين والمهتمين بالشأن التربوي والاجتماعي، لكن، لابد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *