المسار الجديد موقع المسار الجديد موقع اخباري على مدار الساعة
مقالات مشابهة
آن الأوان II
المبدعة نادية بنصالح
الفن السياسي
(9)
من ضمن الأمور القيمة التي لها أكبر تأثير خارجي على الإدراك والوعي الإنساني لفهم كيفية تفاعلات الفرد/العقدة هي تفاعلات الآخرين كيفما كانت فكرية، فعلية أو حتى حكم (بكسر الحاء)، فتاريخ الأمم مليء بحكايات و أمثلة للسابقين وقد حبا الله هذا البلد بسلف صالح ترك لنا إرثا ثقافيا وفكريا زاخرا ومن أجمل ما تركه كلمة واحدة لها دلالات متعددة المعاني، كلمة تحمل عند إلقائها أينما قيلت -نصيحة كانت، تعاملا، لمة، توصية،…- النوايا السليمة والنبيلة والفاضلة والكريمة…، إذ كان الآباء والحكماء (السلف الصالح) غالبا ما يقولونها للمبتدئات (اليافعات) والمبتدئين (اليافعين) كإرشاد وتوجيه للعيش السعيد والهانئ، كلمة كانت مفتاح سر الحياة الإجتماعية وخطة طريق للعيش الكريم والتفاعل المتكامل البناء والهادف.
وكلمة مفتاح سر خريطة الطريق بالعامية هي “سايس” وملاحظة للقارئ أن “سايس” لها علاقة مشتقة من كلمة “سياسة” تعني التصرف بحكمة وكان السلف الصالح يراها التريث والتأني وعدم التسرع في الحكم والقرار لفهم تفاعل الآخرين وذلك بفسح المجال للمناقشة البناءة والإيمان بالإختلاف والإقناع بل وإن كان ولا بد إعطاء فرصا أخرى إذ كان الهاجس الأهم لديهم هو التواصل (الرحم، العمل، الإقتصاد، التعايش،…) فلا سبيل عندهم للقطيعة لأن هذه الأخيرة هي بذرة الشر حيث يكثر الجهل والقيل والقال و تنتشر العداوة والضغينة والحقد… ما كانت لتكون لو أن كل امرئ التزم بخطة الطريق التربوي و سايس تفاعلاته .
هكذا، وإن كانت السياسة علما وقانونا ومناهجا تدرس وتؤطر في المعاهد والتنظيمات،… اليوم حسب إيديولوجيات ومصالح، فقد كنا أمة (مغاربة) متشبعين بها لأنها كانت جزءا لا يتجزأ من تعاليم القيم النبيلة في تربيتنا وكانت تعتبر إطارا يجب الإلتزام به في تفاعلاتنا لضمان عيش اجتماعي تسوده المودة، التكافل، التراحم، التسامح، التعايش، الإختلاف، الصبر،…. ونبذ الكراهية والعنصرية والتعجرف،… وذلك كله فقط بكلمة مفتاح التوجيه التربوي “سايس”.
فالسياسة إذن هي تخطيط وتوجيه تربوي لبناء أمة قوية مدركة وواعية بضرورة نهج القيم النبيلة. وهذا هو الفن السياسي.
قال الفيلسوف الصيني منسيوس:
الذين يتقدمون باندفاع كبير يتراجعون بسرعة أكبر.
…/…
