تقدمية رجعية، وجوه تغلق باب الجامعة و تدعي الإنفتاح..الكتاب ممنوع و النفاق مباح..
هل وصلنا حقا إلى هذا المستوى من التناقض؟
هل صرنا نمنع شخصا من الكلام لأنه “ليس على مقاسنا الإيديولوجي”؟
هل صار العقل الجامعي عاجزا عن الاستماع حتى لمن نختلف معهم؟
وهل يعقل أن يمنع رئيس حكومة سابق من توقيع كتاب داخل كلية للآداب، لا داخل ثكنة عسكرية؟
أنا لا أدافع عن الدكتور سعد الدين العثماني بصفته زعيم حزبي، ولا بصفته رئيس حكومة سابق. أدافع عن حقه كإنسان ومفكر في أن يتكلم. في أن يوقع كتابا، في أن يقابل بالأسئلة لا بالصفير، وبالنقد لا بالصراخ.
أليست الجامعة في الأصل ذلك الفضاء الذي يفترض أن يحتمل الصخب الفكري، لا الضجيج الغاضب؟
مؤسف أن يتحول بعض “القاعديين” إلى أوصياء على من يستحق أن يتكلم ومن لا يستحق، إلى قضاة يصدرون أحكاما جماعية باسم “الشعب” أو “الطبقة الكادحة”.
أي شيوعية هذه التي تقصي؟
أي تقدمية هذه التي تمنع حوارا وتطفئ الميكروفون؟
أليس المنع، في جوهره، فعلا سلطويا مهما كان فاعله ومهما كان شعاره؟
ثم لنتساءل

أين الدولة؟ أين القانون؟ أين الإدارة الجامعية؟
هل صارت “الحرية الأكاديمية” مرهونة بمن يرضى عنك من الفصائل؟
وهل أصبحنا نعيش زمن “الحق المشروط”؟ الحق في التعبير إن كنت يساريا، والحق في التأليف إن كنت على المزاج العام؟
أما النفاق، فحدث ولا حرج.
نفاق بعض المدافعين عن العثماني ممن صمتوا حين منع غيره، ونفاق اليساريين الذين يحتكرون الحقيقة ويغضبون إن شاركهم فيها أحد.
كلهم – في لحظة ما – ساهموا في بناء هذا الجو الخانق، الذي أصبح فيه المنع شطارة، والإقصاء بطولة، والعنف رأيا سياسيا!
ما جرى في كلية تطوان ليس مجرد واقعة معزولة.
إنه سؤال كبير عن حاضرنا الأكاديمي، عن هشاشة ثقافتنا الديمقراطية، عن أزمة الوعي، بل عن فشلنا الجماعي في بناء فضاء يحتمل الاختلاف.
أسأل نفسي: إن كان هذا حال من كانوا طلاب فكر وتحرر، فكيف سيكون حال من لم يقرأوا يوما كتابا؟
وإن كان هذا يسمى “تقدميا”، فماذا نسمي الانغلاق إذا؟
وإن كنا قد وصلنا إلى حد منع توقيع كتاب، فهل تبقى لنا ما نخاف عليه أصلا من مصير الفكر في هذا البلد؟
تأسفت له/ ميمونة الحاج داهي
