أخبار عاجلة

اللهم ارحم من فارقت الأهل، وسكنت القبر / معروف مطرب. 

اللهم ارحم من فارقت الأهل، وسكنت القبر

معروف مطرب. 

في مثل هذا الشهر المبارك العظيم من سنة 1984م، وتحديدا يوم الأحد 24 رمضان، توفيت أختي “نجاة” رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، لقد توفيت نتيجة للإهمال الأسري، بحيث لم نتمكن من مداواتها ومعالجتها، لقد أصيبت قيد حياتها بمرض الفشل الكلوي، وعانت كل الويلات قبل معاناتها الآلام، فمن أين لنا بعلاجها ونحن فقراء لا نملك في حياتنا اليومية حتى لقمة عيش بسيطة، إذ كانت والدتي هي من تعيلنا عن طريق اشتغالها بالموقف، فتارة كانت تصبن ملابس الأسر، وتارة أخرى كانت تعمل على تنقية القمح برحبة القمح والقطاني بساحة مولاي يوسف بمدينة القنيطرة، وذلك مقابل حصولها على مبلغ مالي يتراوح ما بين 10 إلى 15 دوهم لعملها اليومي، الذي كان يبتدئ من الساعة السابعة صباحا إلى غاية الساعة السادسة مساء تحديدا، هذا المبلغ المالي لا يفي سوى بشراء بعض من الخبز، وقالب سكر مرسوم عليه صورة النمر صغيرة، وعلبة شاي “الكتبية” مرسوم عليها صورة صومعة الكتبية.

لقد ماتت أختي “نجاة” نتيجة الفقر المدقع، والحرمان الشديد، لأن أبي كان قد طلق والدتي منذ سنة 1967م، وتخلى عنا “نحن أبناؤه الستة” بلا رحمة ولا شفقة، ومنذ ذلك التاريخ والأسرة في فلك الفاقة والمآسي، لكن خالتي “عائشة” هي من تكفلت بتنقيل أختي “نجاة” من المنزل إلى مستشفى “ابن سينا” بالرباط، لكي تستفيد من حصتها الأسبوعية في تصفية الدم وغسيل الكلي، واستمرت معاناة أختي لوقت طويل، ولسنوات عديدة، ورحمة الله على خالتي عائشة التي كانت تتدبر مصاريف نقلها من المنزل إلى المستشفى المذكور، عن طريق ممارستها التسول الإحساني بأبواب المساجد، ومختلف أزقة وشوارع مدينة الدار البيضاء.

وعندما توفيت أختي “نجاة” بالتاريخ المشار إليه أعلاه، لم نجد أي درهم لكي ننقل جثمانها الطاهر من على مستوى مستشفى “ابن سينا” إلى مدينة القنيطرة، وكذا لدفنها داخل القبر بمقبرة سيدي البخاري بالقنيطرة، وقد قمت شخصيا وبتكليف من والدتي،بأن ذهبت إلى والدي لكي يمنحنا المال الكافي لجلب جثمان أختي “نجاة” من المستشفى، ودفنها بمتواها الأخير هنا بمدينة القنيطرة، لكن أبي امتنع بكل غطرسة واستعلاء، ولم يشأ أن يمدنا ولو بريال واحد، وفي هذا الوقت بالذات، التأجت والدتي إلى أحد الأسر الراقية بمدينة الدار البيضاء عن طريق وساطة بعض أفراد العائلة، غاية لإستعطاف تلك الأسرة، وبه تكفلت ربة تلك الأسرة الغنية بمصاريف الدفن والعزاء، شريطة أن تدفن أختي “نجاة” رحمها الله، بعيدا عن الأرض التي يتواجد بها والدها الذي هو أبي، نظرا لإمتناعه عن دفن ابنته، وتنكره لروحها قبل جسدها الذي هو من صلبه ولحمه ودمه، وبناء عليه قامت ربة الأسرة بتنقيل جثمان أختي “نجاة” رحمها الله من مستشفى “ابن سينا” بالرباط، إلى مستوى منزل خالتي عائشة بمدينة الدار البيضاء، وبهذا تسنى لنا دفنها المسكينة بأحد المقابر هناك.

ومنذ ذلك الوقت إلى غاية اليوم، لم يتسن لي معرفة قبر أختي “نجاة” رحمها الله، ولا مكان وجوده، ويمكن اعتبار قبرها بمثابة قبل الإنسانة المجهولة، لأنها مجهولة الهوية بقبرها، كما هي الحالة بالنسبة لقبر الجندي المجهول.

وكلما حل موعد ذكرى موتها بشهر رمضان من كل سنة، أنزوي يومها في ركن من بيتي، وأكفكف دموعي، وأواسي نفسي، لفقداني وأسرتي لروحها الطاهرة دون تمكننا من توديعها وداعها الأخير.

رحمك الله يا أختي “نجاة”، وسامح الله أبي الذي وَلَدَ، وقال للعالمين “أنا لم أَلِد” …

سأظل أروي روحك الراحلة يا أختي “نجاة” بالدعاء والصلوات.

عن admin

شاهد أيضاً

التحول الرقمي ورهان القيم / كمال كحلي.

اختيار: مؤنس الشرقاوي تُواجه المجتمعات اليوم تحديا حضاريا وهوياتيا غير مسبوق، لما تُحدثه التكنولوجيات الرقمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *